A nuclear war, will not be won by the Americans, Russians or the Chinese. The winner of World War III will be the cockroach.
قابعاً في جحرهِ منتظراً ريثما تخفتُ الأنوار، حالهُ حال معظم بني جنسه القابعين في مختلف الجحور والثقوب على سطح هذا الكوكب. انتابه احساسٌ هائلٌ بالقرف جراء الدبيب المستمر للأرجل العملاقة المتجوّلة فوق منزله الذي لم يكن سوى فسحة صغيرة محشورة أسفل قطعةٍ خشبيةٍ عفنة، مهترئة، تشكّلُ سطح أرضيةِ منزلٍ ما
تململَ في جلسته متبرّماً.. كان قد سيطرَ عليه مزاجٌ كالح لم تنفع معهُ كل ضروبِ التسلية المتعارف عليها. منذ أيام وصوتُ جدّه يدوي في نومه ويقظته. كان يُسعده أن يسترجعَ صوتَ صرصرته المميز كل ما داهمه هذا الشعور الغامر بالاختناق
يستذكرُ نبرتهُ الحادة الرزينة تتلو حقائق يغفلها الكثيرون من أجيال الصراصير، عن كيف أنّهم يفوقون البشر عدداً! يسترجعُ صوت جدّه في لحظاته الأخيرة قبل أن يدهسهُ حذاءٌ عابر
نحن الأقدم على سطح هذا الكوكب، وسوف نرثه في النهاية.. نهاية العالم
:كحّ بشدّة محرّكاً قرني الاستشعار خاصّته
نحن هنا منذ الأزل. قالها بصوتٍ عالٍ وكأنما يريد أن يؤكّد لنفسه تلك الحقيقة
:عدّل جلسته وبدأَ يغمغمُ عباراتٍ غريبة
الكروزومات في جيناتي الوراثية تحولُ بيني وبين الهلاك، أنى لنا أن نهلك بتلك البساطة
قطع انسياب أفكاره وقعُ ارتطامٍ عنيف على سطح منزله. عاوده القرف وبصق أرضاً مراتٍ عدة
تلك الكائنات البشرية التي تدّعي الاشمئزاز من مظهره البني الأشقر وتسارع هلعاً إلى قتله. رّباه كم هي منافقة! أصابتهُ قشعريرة، تذكّر تلك الفتاة التي كادت بالأمس أن تودي به تحت وطأة كعبها المستدق لولا أنها-الحمقاء الغبية- لا تحسن التصويب
***
بحكم سكنه مع عائلته لعقودٍ طويلة تحت أرضيةِ المنزلِ الخشبية الذي يعود بعمره إلى ما يزيد على مائة عام فقد تعايش مع أصحاب المنزل وحفظ عاداتهم وأطباعهم، وبات يعرف مواعيد تحرّكاتهم
تناوب على المنزل أجيالٌ ثلاثة من البشر. أشهدُ أن الجدّ الأكبر لهم كان إنساناً محترماً، حتّى أنّي ودَدتُ صادقاً لو أنه كان صرصاراً مثلنا. كان يمشي متمهّلاً على أرضية المنزل، ينجزُ أعمالهُ بتؤدة ورفق. في البداية ظننا أنه مجردُ طبعٍ رزين في المشي. لكن تبيّن لنا ما الأمر لاحقاً
لقد كان يخشى أن يطئَ بقدمهِ كائناً ما يدبُّ على الأرض، نملة، صرصار، أو أيّ كائنٍ حيٍّ ما يمشي على أربعة أو أربعين ..لا فرق. لكنّ على عكس هذا السيّد النبيل فإنّ سلالتهُ من البشر جاءت على عكسهِ تماماً
وحوشٌ بشرية كاسرة سقَطت عنها كل صفاتِ النبالة
المدهش أنهُ كصرصار بلغَ من العمر عتياً، كان جلُّ ما يمقتهُ في تلك الكائنات البشرية أمراً لا يمتّ إلى وحشيتهم بصِلة. لقد كان يمقتُ نفاقهم. تلك الملامح التي ترتسم على الوجه. تكشيرة الاشمئزاز ما أن يُرى صرصار يمشي في حال سبيله من أو إلى منزله
بعض البشر يصرخون. تخرج “آه” طويلة كزعقة مدوية ثمّ يتجمّدون في زاوية، مدّعيين الخوف والقرف. في حين نُصاب نحنُ “الصراصير” برعبٍ هائل يجعلنا نتسمّرُ بدورنا دون أن نأتي بحركة. يحملق الآخر عينيه ثم يشيح بوجهه كالمتألّم، كالمفجوع
هنا يجتاحُنا قرفٌ غريب! نعم، نعم نحن الصراصير يحلُّ بنا قرفٌ هائل من تلك التعابير
الزوجة تصيح لزوجها، الابنة تصرخُ طلباً للمساعدة
صرخات، صرخات في كلّ مكان
!صرصار.. صرصار
كل تلك الزلازل والبراكين ونحن لم نأت بحركةٍ واحدة لبرهةٍ من الزمن تمتدُ لتبدو بالنسبة لنا سنواتٍ طوال. ونحنُ صامتين، متأمّلين في كل تلك المسرحية الهزلية التي تجري أمامنا
الكائنُ الضخم-نسبةً إلى حجمنا- ذاك الذي قيل أن خالق المخلوقات خصّهُ دوناً عن غيره بما يُدعى “العقل”، يتلوّى على بعد أمتارٍ منّا، ناسياً كل مآسي البشرية التي تُنسبُ إليه ولأجداده مستذكراً شيئاً واحداً فقط.. خوفهُ من الصرصار
أذكُرُ جيّداً في إحدى المرات لدى عودتي إلى جحري بعد جولةٍ ليلية متأّخّرة، أنّي صدفتُ الابنة الكبرى للعائلة تنسلُّ إلى المنزل على رؤوس أصابعها
كان الأوان قد فات على حسن التصرّف ولم أجد بدّاً من العبور سريعاً أمامها على أمل أن لا تلحظ مروري
آه.. تلك الحمقاء زعقت زعقةً مدوية ارتجّ لها المكان. كان بإمكاني الإسراعُ للاختباء، لكن دهشتي كانت طازجة، ورغبة جارفة في تأمّل وجه الفتاة لم استطع كبحها أو مقاومتها
كانت قد وقفت على قدمٍ واحدة، ترتجف من رأسها إلى أخمص قدميها، وتلهث كفيل
وسط تلك النوبة الهستيرية، فعلت ما لم أتوقّعه على الإطلاق
!لقد صرخت بي: متْ ..متْ
أصغيت السمع.. هل حقّاً ما تقول! ردّدتها مرّة أخرى بنغمة حادة يائسة وبطريقة ممطوطة: مُــتْ
لم أملك نفسي من الضحك. الحمقاء الغبية! انصرفتُ سريعاً تاركاً إياها تنتحب وتبكي. سحقاً أكلُّ البشر منافقون! تلك الفتاةُ بأظافرها المدبّبة المطلية بالأحمر القاني، وشعرها البُنّي المتموّج طويلاً على ظهرها، كانت تبدو جميلة، في الحقيقة إنّها جميلة
.لكنّها بشعة للغاية
***
تنهّد بقوة، كان يشعرُ بتعبٍ هائل جعل من أرجلهُ الستّ خيوطَاً واهنة، فطار بجناحيه الشفّافين إلى نتوءٍ عالٍ يستطيعُ معهُ رؤية الجحر من الأعلى
اعتادت شريكتهُ أن تجلس هنا حيث كان بإمكانها مراقبةُ العائلة وهي تتناول طعامها في حجرة المائدة، لا لكي تلتقط فتاتهم من الطعام، بل لتستزيد قرفاً من تلك الكائنات الهمجية التي تتعامل حتى مع الطعام بتلك الطريقة المقرفة، الخالية من متعة التذوق
.كانت تكبرهُ بالعمر مئات السنوات. جاءت من بلادٍ بعيدة، حارة صحراوية
روت لهُ قصصاً عن المكان الذي جاءت منه تقشعرُ لها أبدان الصراصير. كيف أن أهلها يقتلون بعضهم البعض بلذة لا تخبو، مبتكرين أساليباً شائنة لزهق الأرواح. لكنّهم هم أنفسهم ينتابهم القرف لرؤية صرصار، وقد لا يجرؤون على قتله خوفاً من منظره! بل أنّهم يتمتمون بتعويذات ويتحاشون النظر إليه
خرجت حبيبتي ذات يومٍ ولم تعد. قيل أنّها قُتِلت. لكنّ قرون استشعاري تَتحسّس وجودها في مكانٍ ما على سطحِ هذا الكوكب. إنّها صرصاره حرّة ولعلّ هذا الوكر حدّ من وجودها
في ليالي الشتاء حين أدخل في سُبات شهي منقطعاً عن الخروج لشهورٍ طويلة، استشعرُ روحها، وتغذّي رائحتها مخيلتي فأراها تقطعُ المدى دون توقّف، تستمتعُ بملمسِ الرياح على بشرتِها الشقراء. تبني ذاكرة جديدة ترويها للأجيال القادمة عن كيف أنّ الصراصير، المخلوقات النبيلة، سترث هذه الأرض يوماً ما
2016
Read Full Post »