و شعرت أني مثل أيوب ..
وتباهى الرّب بعبده أيوب. باستقامته وتقاه، فسأله الشيطان: أمجاناً يتّقيك ؟
فأطلق الله يد الشيطان، كي يضربه في أهله وأملاكه. ففقد أولاده العشرة وكل ما يملك، لكنّه لم يخطئ بحق الله. فازداد الله تباهياً بعبده أيوب. فطلب الشيطان أن يصيبه بلحمه ودمه.أطلق الرب يده فأصاب الشيطان أيوب بقرح من أخمص القدم إلى قمة الرأس، فاشتدت آلامه، وأنكرته زوجته، وانفضّ عنه غلمانه وعبيده .. لم يكن لأيوب أن يعرف أنّه ضحية رهان متبجّح بين الله والشيطان. ولأنه كان عميق الإيمان وحسن النية، لم يخطر بباله أنه يمكن أن تجري في السماء التي يشعشع فيها الرب، ألعاب ومراهنات دامية إلى هذا الحد. ولهذا دفعه قلبه البريء، وآلامه التي لا تحتمل إلى محاججة الله : لكنّي إنما أخاطب القدير وأودّ أن أحاجج الله . . . ما الذي لي من الآثام والخطايا. أعلمني معصيتي و خطيئتي. لِما تواري وجهك وتعتدّني عدواً لك! لِما تكتب علي معاملات عنيفة وتُلحق بي آثام صباي!؟.. قد اكتسى لحمي دوداً وجلدي تقلص وتمزق. ما الإنسان حتى تستعظمه وتميل إليه قلبك وتتعاهده كل صباح، وتبتليه كل لحظة. إلى متى لا تصرف طرفك عني ولا تمهلني ريثما أبلع ريقي . أقول لله لا تؤثمني. أعلمني على أي شيء تحاكمني . . . إنّما أخاطب القدير وأودّ أن أحاجّ الله
كان عزاءً كبيراً لأيوب، الذي يتفسخ، أن يحاجج الله، وأن يلومه من طرف خفي، لأن النعيم في هذه الدنيا مقسوم للمنافقين والأشرار، في حين تضرب يد الله الأبرار، وتبتليهم بأقسى أنواع المصائب. والغريب أن اله الذي كان يعرف أن أيوب لا يستحق أيّاً من المصائب التي توالت عليه. وأن كل ما أحاق به نتيجة رهان متبجّح بينه وبين الشيطان، فقد أغضبه أن يحاججه إنسان، حتى ولو كان صادق الطاعة والإيمان. ولهذا كلّم الرب أيوب وقال : ” اشدد حقويك وكن رجلاً “ .ثم بدأ يعدد متباهياً ما خلق من أرض وسماوات ونجوم وجبال ووديان وحيوانات وطيور وبحار ورياح. ليختم كلامه لأيوب : ” اشدد حقويك وكن رجلاً. إني سائلك فأخبرني ألعلك تنقض قضائي. أتؤثمني لتبرر نفسك. ألك مثل ذراع الله. أترعد بمثل صوتي. إذن فتزيّن بالعظمة والسمو، والبس المجد والبهاء ” . ويواصل الله تأنيبه حتى يتضاءل أيوب. ويتلاشى صوته منكراً مقالته، ونادماَ على محاججته
يعوّض الله أيوب أضعاف ما خسره من صحة وولد ورزق. ولكن بعد أن عطّل عقله، واعتذر عن المحاججة، وتحوّل كائناً صغيراً، يضع برضى وتسليم حياته ومصيره وكل ما يصيبه بيد القادر الذي خلقه ولم يترك له إلّا حرية العبادة والطاعة والرضا مهما اشتدت عليه ألوان الظلم والعذاب
لقد حاجج أيوب ربّه، أما أنا فمن أحاجج ! وليس لدي إلّا هذا اليقين البسيط و الموحش
.من الظلام جئت وإلى الظلام أعود
رحلة في مجاهل موت عابر
سعد الله ونوس
اترك تعليك